كتب الدكتور/ عبد الرحيم إبراهيم عبد الواحد
عشق آباد – دبي: في عصر يتسم بشكل متزايد بالتوترات الجيوسياسية والتحديات البيئية والانقسامات الاجتماعية، لم تكن الدعوة العالمية إلى الوحدة أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. واستجابة لهذه الحاجة، برزت تركمانستان مرة أخرى كبطلة للدبلوماسية والسلام من خلال اقتراحها تسمية 2025 عام السلام والثقة، حيث تهدف هذه المبادرة، التي اعتمدتها رسميا الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى تعزيز الحوار، وتشجيع التعاون، وترسيخ مبادئ الاحترام المتبادل وعدم الاعتداء على نطاق عالمي.
وتستكشف المقالة التالية الرؤية وراء هذا الإعلان، وأهميته الاستراتيجية، والأنشطة المتنوعة المخطط لها على مدار العام لتعزيز ثقافة السلام والثقة في جميع أنحاء العالم.
وبإمكاننا القول وبكل ثقة بأن عام 2025، يمثل فرصة فريدة لتعميق التعاون العالمي في بناء مستقبل عادل وشامل ومستدام، وذلك في وقت تتنامى فيه التحديات المتصاعدة التي يشهدها العالم على الصعيدين السياسي والبيئي، والانقسامات المجتمعية، حيث تبرز الحاجة الملحة لتعزيز ثقافة السلام والتفاهم المشترك أكثر من أي وقت مضى. ومن هذا المنطلق، بادرت تركمانستان إلى إطلاق مبادرتها العالمية، تأكيدًا على أهمية الحوار والتعاون الدولي في مواجهة التحديات العالمية الراهنة.

هذه التطورات تدفعنا للقول بأن اتجاهات وأحداث السنوات القليلة الماضية تدلل إلى وجود تغيرات جذرية في العلاقات الدولية والعلاقات بين الدول، وتفاقم التناقضات العالمية والإقليمية، وظهور صراعات في مختلف أنحاء العالم، حيث تتنوع أسباب تلك الظواهر، لكن من الواضح أن السمة المميزة للوضع الراهن للسياسة العالمية هي انعدام الثقة والاختلافات الكبيرة في وجهات النظر والتصورات حول مدى صحة نموذج أو آخر من نماذج النظام العالمي.

كما مثّل كل هذا وضعًا بالغ التعقيد، قادر على إعادة جدول الأعمال الدولي برمته إلى الماضي، إلى عصر المواجهة بين الكتل والحضارات، مما يُعقّد بشكل كبير التعاون متعدد الأطراف في مواجهة التحديات والتهديدات الجديدة، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وضمان التوزيع العادل للموارد، وضمان الأمن الغذائي، والتغلب على الفقر وعدم المساواة، والتصدي لتغير المناخ، ومعالجة مجموعة واسعة من القضايا الملحة الأخرى ذات الأهمية العالمية.

وفي ظل هذه الظروف الراهنة، دعت تركمانستان، بصفتها دولة مسؤولة، إلى اتخاذ تدابير لتعزيز الجهود الدولية للتغلب على الأزمة الراهنة على أساس بناء، وتهيئة الظروف والفرص السياسية والدبلوماسية اللازمة لذلك. وبناءً على ذلك، بادرت عشق آباد، خلال الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، باعتماد قرار الجمعية العامة 2025 عام السلام والثقة، والذي اعتُمد بالإجماع برعاية 86 دولة.
رؤية استراتيجية
يشكل إعلان عام 2025 فرصة استثنائية لتجديد الالتزام العالمي بالقيم الإنسانية المشتركة، وبناء مستقبل أكثر عدلاً واستدامة، وتنسجم هذه المبادرة مع “الأجندة الجديدة من أجل السلام” التي أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة، والتي تؤكد على ضرورة منع النزاعات وتعزيز آليات بناء السلام.
وفي هذا السياق، تلعب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) دورًا محوريًا في ترجمة هذه الرؤية إلى مشاريع واقعية، إدراكًا للترابط الوثيق بين التنمية المستدامة والاستقرار. فبجانب الجهود السياسية، يُعد الاستثمار في التنمية الاقتصادية، والمساواة بين الجنسين، وحماية البيئة، وتعزيز سيادة القانون، من الدعائم الأساسية لتحقيق السلام المستدام.
من التحديات إلى التعاون الإقليمي
تواجه أكثر من 30 دولة نامية غير ساحلية (LLDCs) في آسيا وأوروبا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية تحديات اقتصادية وتنموية حادة بسبب بعدها عن الموانئ البحرية واعتمادها على الدول المجاورة للوصول إلى الأسواق العالمية. ويُعد ارتفاع تكاليف النقل والتجارة أحد أبرز العقبات التي تعيق تنميتها، إلى جانب هشاشتها أمام الأزمات السياسية والاقتصادية.
ولمعالجة هذه التحديات، أُطلق برنامج فيينا للعمل عام 2014 كإطار دولي لتعزيز تنمية الدول غير الساحلية، وفي أغسطس 2025، وبدعوة من تركمانستان، ستستضيف البلاد المؤتمر الدولي الثالث للدول غير الساحلية تحت شعار “دفع عجلة التقدم من خلال الشراكة”، ويهدف المؤتمر إلى مراجعة الإنجازات خلال العقد الماضي وتوحيد الجهود من أجل تنمية أكثر شمولاً واستدامة.
وتُعد تركمانستان نموذجًا في تحويل التحديات الجغرافية إلى فرص استراتيجية، حيث تعتمد سياسة الحياد الدائم وتسعى إلى تعزيز الربط الإقليمي بين آسيا وأوروبا. وبالرغم من محدودية الموارد المائية وظروف المناخ القاسية، طورت تركمانستان بنيتها التحتية لتصبح مركزًا لوجستيًا ونقلًا إقليميًا فاعلاً، مستفيدة من موقعها الحدودي مع خمس دول، بعضها يعاني من توترات أو عقوبات.
دور الأمم المتحدة في التنمية والاستدامة
يشكّل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي شريكًا أساسيًا في دعم جهود تركمانستان نحو تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز القدرة على التكيف مع تغيّر المناخ. ومن خلال دمج إدارة المخاطر المناخية ضمن خطط الدولة وموازناتها، ساعد البرنامج في صياغة وتنفيذ السياسات البيئية الفعالة، فضلاً عن مشاركته في إعداد مساهمات تركمانستان المحددة وطنيًا (NDCs) في إطار اتفاق باريس للمناخ.
وفي ظل التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة، يقود البرنامج مبادرات تهدف إلى توسيع استخدام مصادر الطاقة المتجددة في تركمانستان، بدعم من صندوق أهداف التنمية المستدامة المشترك، ومرفق البيئة العالمي (GEF)، والحكومة الوطنية.
وفي الوقت نفسه أكد وزير خارجية تركمانستان رشيد ميريدوف أنه في سياق التنفيذ العملي لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في 21 مارس 2024 “السنة الدولية للسلام والثقة 2025″، عُقد أول حدث مهم في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، والذي حضره أكثر من 100 ممثل.
وقال:”وافقت اللجنة التنظيمية الحكومية للأحداث رفيعة المستوى بمناسبة إعلان عام 2025 “السنة الدولية للسلام والثقة” والذكرى السنوية الثلاثين لحياد تركمانستان، والتي أُنشئت بموجب مرسوم صادر عن رئيس تركمانستان، على البرامج وخطط العمل ذات الصلة، ومن بينها خطة للأحداث الدولية التي تُعقد في تركمانستان وخارجها”.
أنشطة استراتيجية
يمثل قرار “2025 عام السلام والثقة” تجسيدًا عمليًا لفلسفة العلاقات الدولية الجديدة “الحوار ضمان للسلام”، التي أعلنها الزعيم الوطني للشعب التركماني، رئيس مجلس الشورى في تركمانستان، قربان قولي بردي محمدوف. وبالتالي، فإن اعتماد هذه الوثيقة يمثل خطوة أولية مهمة نحو الاستفادة من إمكانات الأمم المتحدة لتقديم تقييم متوازن للأحداث والاتجاهات الحالية، والتغلب على انعدام الثقة، وتقليل التوترات المواجهة في السياسة العالمية.
وتعتبر تركمانستان قرار إعلان عام 2025 عامًا دوليًا للسلام والثقة حدثًا عالميًا وفرصة حقيقية للانتقال النوعي إلى مرحلة جديدة في العلاقات الدولية، وفي الأساس، فإن مبادرة تركمانستان هي دعوة ونداء لجميع الدول للانطلاق في جهود مشتركة تشمل الجوانب السياسية والأيديولوجية والعملية لتنفيذ فكرة السلام والثقة كمبدأ أساسي للنظام العالمي.
تتضمن استراتيجية تركمانستان نهجًا شاملاً لمواجهة التحديات العالمية، استنادًا إلى الترابط بين جميع جوانب الأمن – العسكرية والسياسية والاقتصادية والطاقة والبيئية والبيولوجية والبشرية والمعلوماتية، حيث تهدف إلى أن تكون بمثابة إطار قانوني دولي محدث للعلاقات بين الدول، بما يعكس الحقائق الموضوعية القائمة واحتياجات التنمية العالمية. لذلك، من الناحية المفاهيمية، تعتبر تركمانستان فكرة تطوير الاستراتيجية بمثابة رابط منطقي وعضوي في تأكيد مبادئ السلام والثقة.
وخلال عام السلام والثقة 2025، تقترح تركمانستان التركيز بشكل خاص على قضايا الأمن الإقليمي، انطلاقاً من ضرورة إيلاء اهتمام بالغ لمشاكل آسيا الوسطى والمناطق المجاورة، بما يشمل جميع القضايا السياسية والاجتماعية والإنسانية والبيئية، وقضايا الطاقة وإدارة المياه، وغيرها.
كما تدعو تركمانستان إلى بُعد إقليمي واضح المعالم في أنشطة الأمم المتحدة، من حيث الجوهر والهيكل، حيث يتزامن عام السلام والثقة مع الذكرى الثلاثين للاعتراف العالمي بالحياد الدائم لتركمانستان، التي اثبتت تطور حيادنا توافقه مع القيم والأهداف الأساسية للأمم المتحدة، وتم الاعتراف به كأصل مشترك للمجتمع الدولي.
وتعتمد تركمانستان على دعم الدول المحايدة وغير المنحازة وغير المنتمية إلى تكتلات، بالإضافة إلى جميع الدول التي تشترك في مبادئ عدم التدخل وعدم المشاركة في النزاعات، في توحيد قدراتها وخبراتها وسلطاتها لتهيئة الظروف للانتقال إلى أساليب سلمية وسياسية ودبلوماسية لحل النزاعات القائمة والمحتملة. بهذا المعنى، تُتيح السنة الدولية للسلام والثقة فرصةً لتحويل مبدأ الحياد إلى إطار عملي، كمنصةٍ لتوحيد جميع القوى الفاعلة والمسؤولة، سواءً كانت دولاً أو مجموعات دول، التي ترفض مبدئياً نهج المواجهة.
وتلعب مؤسسة قربان قولي بردي محمدوف الخيرية لمساعدة الأطفال المحتاجين إلى رعاية دورًا رئيسيًا في حل القضايا الإنسانية، وباستخدام قدرات المؤسسة، سيستمر تقديم الدعم الإنساني واسع النطاق للمحتاجين في مختلف البلدان خلال السنة الدولية للسلام والثقة.